الأحد, 19 فبراير 2012 15:48

كلمة الدكتور عبدالرحيم الكيب رئيس وزراء الحكومة الإنتقالية بمناسبة إحياء ذكري ثورة 17 فبراير

                                              بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الأخوة أيتها الأخوات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ها هي ذكرى ثورة الكرامة بكل ما استلزمته من دماء وشهداء وتضحيات جسيمة

ها هي ذكرى ثورة التحرر من الإستبداد والظلم وحكم الفرد والتخلف والغوغائية

هاهي ذكرى ثورة التخلص من الجنون السياسي والتخبط الإقتصادي والإفساد الإجتماعي

لقد ثار الشعب بمجمله وكان مستعدا للتضحية دون مواربة ولا تردد

قاوم وحيدا منفردا أمام آلة الطاغية والطغيان بما فيها الطائرات والدبابات والمدافع والصواريخ. لم يبال أبدا حتى إستفز المشهد أحرار العرب والعالم أجمع فتنادوا مشكورين لنصرة الشعب المظلوم لهول ما رأوا

رغم ذلك فقد إستمر مسلسل الدماء وتواصلت قافلة الشهداء حتى نال الشعب حريته بعد ما سطر أمام العالم دروسا في التضحية الوطنية.

رحم الله الشهداء الأبرار الأبطال الميامين وتقبلهم عنده في جنات النعيم وجمعنا بهم مع حبيبنا النبي الكريم سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم، وشفى الله الجرحى الأطهار وجزاهم عن الوطن خير الجزاء وأعاد إلينا مفقودينا سالمين غانمين.

ولئن كانت هذه الذكرى عظيمة بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى فإنها أيضا مناسبة للتواصل والتدارس والتذاكر.

 

أيها الأخوة أيتها الأخوات

إن الوفاء للدماء الغزيرة التي سكبت والتضحيات الجسيمة التي قدمت يقتضي منا إستكمالا للمسيرة وإصرارا على بلوغ الهدف وتشبثا بالمبادئ النبيلة التي قام الشيب والشباب من أجلها غير مبالين بالثمن المقدم لبلوغ المقصد.

وإنه لمشوار ليس بالقصير وليس بأسهل من مشوار التحرر من الظلم فيجب أن لا نكل أونمل أونتململ والأهم من ذلك كله علينا ألا نستعجل قطاف الثمار.

لقد أسقطنا، ولله الحمد، نظاما ظلاميا ولكن يجب ألا نغفل علي أن هناك تحديا كبيرا يتمثل في الحاجة لتغيير الثقافة المرتبطة بالنظام السابق – نظام الإستبداد، نظام الفساد، نظام المركزية، نظام حكم الفرد الواحد.

وإحلال ثقافة بديلة سليمة صحية وهي ثقافة العدالة، ثقافة المؤسساتية، ثقافة المصلحة الوطنية.

إن النظام السابق سقط كمؤسسة لكن الثقافة المرتبطة به تحتاج لجهد أكبر ووقت أطول كي تتغير فنحن لازلنا نري رجال النظام السابق بفكرهم المضلل وثقافتهم الزائفة يرددون الإشاعات المضللة ويحاولون التخريب بإستخدام الأموال والعلاقات.

ولذلك فإن روح الثورة لابد أن تستمر في مواجهة الوجوه المتجددة المرتبطة بالنظام الهالك.

 إنها لمسئوليتنا جميعا أن نقف صفا واحدا في وجه هذه الممارسات والسلوكيات لإنتزاعها للأبد والكشف عنها وعن أصحابها وتنظيف المؤسسات منها لتتعافى بلدنا من هذه المظاهر المعرقلة لنتمكن من بناء دولة القانون المدنية الحضارية الحديثة متوكلين على الله من قبل ومن بعد.

هي مرحلة جديدة نريد أن نؤسس لها علي مبادء التعدد والحوار والديمقراطية وما تقتضيه من ممارسات وسلوكيات ينبغي أن تسود لتحمي الحرية والديمقراطية من أن تسلب أوأن يتم التآمر عليها مرة أخرى لا سمح الله بعد تلك التضحيات الجسيمة.

انه من الوفاء لهذه الثورة ولارواح الشهداء ان نعمل على حمايتها وحفظما من الاعداء الظاهرين والمندسين ان كل من تسول له نفسه المساس بها سوف يلقى جزءه بقوة القانون ان الدولة وهي تبنى مؤسساتها سوف تقوم كل مظاهر الفساد وسوف تكون بالمرصاد لاي عبثا بمقدرات الثورة ومستقبل الليبيين

اننا نؤكد للجميع باننا لانخشى المندسين والمرجفين وسوف نكون بالمرصاد لكل من يظن بانه قادرا على النيل من هيبة الدولة وسيادة الدولة. اننا لانخشى الا الله ورائدنا هو مصلحة الوطن وامن الوطن ومستقبل الوطن.

 

 نيل الحرية شرف ومسئولية في آن واحد، ومسئوليتنا اليوم هي أن نشترك في بناء وطننا بإدراك لمتطلبات المرحلة الجديدة وإستحقاقاتها وأهمها أن كل فرد منا مسئول عن الوطن وعن إختياراته من أجل الوطن فينبغي لنا أن ننبذ ثقافة المصالح الفردية والجهوية والقبلية التي رسخها النظام السابق ولعب بها وإستفاد من تناقضاتها طيلة عهده المشئوم فنال منا ومن بلدنا وهدد نسيجنا الوطني.

إن المسئولية الوطنية تقتضي منا جميعا اليوم أن نقوم بواجبنا كل من موقعه حتى لا يؤتى الوطن من جانبه. فالشرطي والمدرس والطبيب والمهندس والمصرفي وكل رجال الدولة وكافة المواطنين بإشتراكهم في العمل العام وإبداء آرائهم وإختياراتهم ودعمهم أوإعتراضاتهم، يجب أن نتحرى جميعا أعلى درجات المسئولية أمام الله والشعور بالحس الوطني وأهميته وإنعكاسه على مصير بلدنا ومستقبله.

إن صمام الأمان الرئيسي لمستقبل قوي آمن راسخ لبلدنا يكمن في إنتشار ثقافة صحية سليمة بيننا جميعا تخلومن مظاهرالعنف والإنقسام والجهوية والفساد ولا تتسامح مع المفسدين والغوغائيين والعابثين مستفيدة بذلك من مرارة دروس التاريخ الذي مر بنا.

إنها لفرصتنا السانحة أمام التاريخ والأجيال اللاحقة لبناء ليبيا الجديدة على أسس راسخة لوأجدنا الإختيارات وتجنبنا الخلافات. ولا يجب أن نضيع هذه الفرصة بسبب حساسيات أوإستعجال يربك الأولويات أوأطماع لبعض الفئات.

وإني بهذه المناسبة الكريمة أوجه تحية خاصة لثوارنا الأبطال من عسكريين ومدنيين وأقول لهم طبتم وطاب ممشاكم وهنيئا لكم شرف ما قدمتم من تضحيات من أجل وطنكم العظيم. وأقول إن الوطن الذي ضحيتم من أجله بالأمس ونلتم شرف الإنتفاض ضد الظلم على أرضه لايزال في خطر من تسلل المتسلقين بين صفوفكم وتسرب الجاهلين والفوضويين إليكم وإستخدام المدعين لعناوينكم.

فأبقوا ياشباب ليبيا الطاهرعلى طهارة مؤسساتكم ونقاوة صفوفكم وحافظوا على نبل مقصدكم الذي بدأتموه يوم 17 فبراير، وطنيا صادقا مخلصا وإحرصوا على التعاون لإفراز الأصلح وقولوا " لا " للذين يقودون من خلال رفع الأصوات والتهريج وإثارة الضجيج.

كما أني أهيب بثوارنا البواسل بإن يسارعوا بالإنضمام لإجهزة الدولة وهياكلها المختلفة خاصة وزارتي الدفاع والداخلية وألا يترددوا في ذلك فالتباطؤ يفسح المجال للعناصر الأقل وطنية أن تحتل أماكن متقدمة في هياكل الدولة مما يهدد مصالح الوطن.

كما أني أهيب بكل مخلصي ليبيا وشرفائها نساء ورجالا شيبا وشبابا أن يهبوا وينطلقوا في معركة بناء الوطن ولا يترددوا وألا يكرروا أخطاء الماضي.

 عندما بدر منا تردد وسلبية ضاع الوطن ردحا من الزمن فقدناه فيها ولم نسترده إلا بعد أن دفعنا كل غال ونفيس.

ألا يا مخلصي ليبيا ومحبي وطنكم هذه ليبيا تناديكم فلا تبخلوا عليها. هذه ليبيا تناشدكم المعونة فلا تترددوا. هذه ليبياكم بلد أجدادكم الأشاوس بلد المجاهدين والحفاظ تناديكم للعمل والبناء.

 والله لشرف وأي شرف أن نبني وطننا بإيدينا ونحن أحرار عليه فهلموا ياعلماء ليبيا ومثقفيها وأساتذتها ومفكريها وطلابها ومعلميها.

 

أيها الأخوة أيتها الأخوات

إن العالم أجمع يرقبنا، أصدقاء ومتربصون، وعملية تقييمنا لم تنقطع منذ قيام ثورتنا. إننا لا نعيش وحدنا في هذا العالم، فلنكن على وعي بالمتوقع من صورة ليبيا الجديدة في العالم. ولنحرص أن تكون مختلفة عما كانت عليه سابقا ولنبن ليبيا بصورة ملؤها المسئولية والقانون وإحترام الإنسان وحقوقه وإلا فإن أي صورة سلبية لن تكون خادمة لأهدافنا ومصالحنا في المجتمع الدولي.

 

أيها الأخوة أيتها الأخوات

إننا في مرحلة بناء لدولة تهاوت تحت ضربات محطمة من النظام السابق والذي إقتضى التخلص منه خوض حرب ضروس أتت على الكثير من مقدراتنا مما ضاعف فاتورة معركتنا ضد الإستبداد. وإني أود أن أذكر في هذا السياق أن الحكومة تخوض هذه الأيام معركة لبناء البلد، وتحتاج بحق لتعاونكم بإعانتهم على التركيز على شئون وقضايا بناء البلد الكلية بدل إستهلاكهم في حل النزاعات الشخصية وضغط الشارع بالمسائل اليومية الجزئية.

ادعوإخواني في المجالس المحلية جميعا أن يجتهدوا بصورة أكبر من ذي قبل للتوافق والإتفاق فالديمقراطية فن توافقات وتنازلات وإن التشبت بالرأي والخلافات والنزاعات تضييع لمصالح الشعب والوطن.

إن الإعتصام والإعتراض بالوسائل السلمية حق مكفول غير أن ما يجعل ممارسة هذه الحقوق نافعة ذات جدوى هوإفرازها لحلول ومقترحات وتقديمها لبدائل وأفكارومراعتها للأولويات.

أود التذكير بإننا في مرحلة إنتقالية وهي بالضرورة مرحلة يتم فيها ترتيب الكثير من الأساسيات لاسيما وضع اللبنات الأساسية لكتابة الدستور الذي ستنبثق عنه كافة القوانين. بالتالي فإن علينا في هذه المرحلة أن نحتكم إلى الكثير من التوافقات فيما بيننا وفهم وإدراك الطبيعة الإنتقالية.

 يستوجب منا الصبر والعمل على لم الشمل كهدف أساسي للوصول إلى وضع اللبنات الأساسية التي ستجمعنا جميعا في إطار قانوني جامع متفق عليه.

 أود بهذه المناسبة العزيزة أن أؤكد أن الحكومة الإنتقالية عاقدة العزم على ترسيخ مبدأ اللامركزية في الإدارة وذلك بإتخاذ العديد من الإجراءات من ضمنها فتح مكاتب للحكومة للتواصل. وتسهيل الإجراءات. وإعادة توزيع المؤسسات والمطالبة بفتح القنصليات.

إننا نثق في مجتمعنا ولذلك فإننا نقود بالحوار والتواصل البناء كما أن الشفافية مبدأ أساسي نعمل به ونؤكد علية.

إننا نؤمن بإن شريحة الطلبة والشباب عماد البناء والتغيير وإن بناء الإنسان مقدما عن بناء البنيان ولذلك قررت الحكومة صرف منح شهرية لطلبة الجامعات والمعاهد دعما لهم ولزيادة التحصيل العلمي ولإتاحة الفرص وتخفيف الأعباء عن كاهل الأسر والأفراد.

وتفهما لوضع وجهد الثوار وللظروف المادية التي ترتبت علي الإلتحاق بالثورة والتفرغ لها فقد قررت الحكومة صرف منح شهرية لمن لا يتقاضوا مرتبات إخري عن مدة إلتحاقهم بالثورة وحتى شهر فبراير 2012.

بخصوص مشروع الحكومة في ملف الأمن وتأهيل وتوظيف الثوار شرعنا في إجراءات إلتحاق أكثر من (5000) خمسة آلاف من الثوار بالجيش الوطني وأكثر من (10000)

عشرة آلاف من الثوار بوزارة الداخلية وفي هذا الصدد إتفقنا علي تدريب (10000) عشرة آلاف من الثوار لتدريبهم في داخل وخارج البلاد.

بخصوص رعاية الشهداء والمفقودين وضمن جهود معرفة مصير أبناءنا المفقودين تم أخذ عينات من إجمالي أهالي المفقودين بنسبة 70%. وكذلك الشروع في صرف منح خاصة لعلائلات الشهداء والمفقودين.

ودعماً للاسر قررت الدولة منح كل اسرة ليبية (2000) الفي دينار ليبي عن كل كتيب عائلة و(200) مائتي دينار عن كل فرد غير متزوج.

بخصوص النفط والغاز. بعون الله سبحانة وتعالي وتكاثف جهود العاملين بالقطاع وصل إنتاج النفط بنسبة 70% من الطاقة الإنتاجية ووصل إنتاج الغاز إلي نسبة 60% من الطاقة الإنتاجية قبل ثورة 17 فبراير أما بخصوص مصافي النفط في الزاوية وطبرق والسرير وصلت الطاقة الإنتاجية الي نسبة 100%.

وفي يوم كهذا وفي ذكرى كهذه لابد للعلماء من مكان ولابد للمشايخ من مكانة فهم نبراسنا وقدواتنا وقد كانوا كذلك في 17 فبراير وقبلها طيلة عهد الطاغية فمنهم من قضى نحبه في السجون شهيدا نحسبه كذلك ومنهم من استشهد خلال الثورة المباركة فرحم الله شهداءنا الأبرار.

وإني إذ أذكر علماءنا الأفاضل ودورهم البارز فإني أهيب بهم أن يستمروا بالأضطلاع بدورهم الحيوي خاصة في فترة حساسة كالتي يمر بها مجتمعنا وما يحتاجه من إرشاد وجمع للشمل وإزالة للحساسيات وتمكين لموروثنا الأخلاقي المشترك المتفق عليه وما يلعبه من دور تجميعي إيجابي.

 

إخوتى... أخواتي

ذكرى ثورتنا ذكرى عظيمة... ذكرى ملحمة تاريخية كبرى. اننا اذ نحتفل اليوم نذكر ذلك الفداء وتلك الدماء السخية التى سالت في كل ربوع بلادنا. لقد طهرت وطننا العزيز من الآثار المؤلمة لفترة من احلك فترات تاريخنا. لقد اعادت تلك الدماء وتلك التضحيات لهذا الشعب كرامته وحريته. لقد جعلت شعبنا في طليعة الشعوب المجاهدة من اجل الحق والعدالة والحرية.

من حقنا ان نحتفل وان نفرح ومن واجبنا في هذه المناسبة ان نقف اجلالا لكل تلك الارواح الطاهرة التى ازهقت ولكل اخواننا الجرحى الذين ينتظرون الفرج والشفاء.

ان ثورتنا ايها الاخوة والاخوات مستمرة...

مستمرة حتى نقيم العدل والمن والحرية...

مستمرة حتي ينعم كل ليبي وليبية بالرخاء والعزة...

مستمرة حتى تتحقق كل تلك القيم والآمال التي قدم شهداؤنا الابرار ارواحهم من اجلها.

اننى علي يقين من اننا سوف نحقق كل تلك الاهداف بالتعاون والمحبة والاخاء والاخلاص والعمل. العمل الذي لا يعرف الكلل.

نسال الله العلى القدىر ان يحفظ وطننا من كل سوء

وان يعيد علينا هذه المناسبة السعيدة بكل خير ويمن

 

والسلام عليكم ورحمة الله

والله اكبر الله اكبر الله اكبر ولله الحمد

عاشت ليبيا حرة أبيه... المجد لشهدائنا الابرار