السبت, 24 ديسمبر 2011 22:47

كلمة رئيس الوزراء الدكتور عبدالرحيم الكيب في الذكرى 60 لاستقلال ليبيا

بسم الله الرحمن الرحيم

ياشعب ليبيا الحر ها نحن نعيد إحتفاءنا بذكرى مجيدة - عزيزة علينا  - حرمنا من إحيائها ردحا من الزمن -  بسبب حلكة سادت سماءنا -  وظلمة حجبت أعيادنا -  وظلم نكد حياتنا -  ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره - فقدر لنا ثورة مباركة لإستعادة وطن سلبه منا طاغية مستبد - وعائلة مستهترة بالوطن وأهله - ظنت أنها ورثت الوطن ومن عليه -  فقام أهل الوطن عليهم قومة واحدة -  فنصرنا الله منبعد قهر.

يقول المؤرخون: يعيد التاريخ نفسه .. ونقول .. يعيد الشعب صناعة التاريخ   ...

فها نحن اليوم نعيد بناء ليبيا كما بناها الآباء عند صناعة الأستقلال - يوم كانت ليبيا تحاول أن تجد لها مكانا على خريطة العالم - وأن تنتزع لها إعترافا من هيئة الأمم المتحدة -  يومها لم تكن ليبيا تملك من مقومات الحياة كدولة ما يذكر-  لدرجة أن بعض المراقبين الدوليين ظنوا وقتها أن فرص العيش لهذا البلد الحديث ضعيفة للغاية.

إن ما قام به آباؤنا يومها جبار- ومصدر للأستلهام - واستدعاؤنا لتلك المرحلة التاريخية اليوم - مفيد ونحن نعيد بناء ليبيا من بعد تدمير وتيه طيلة أربعة عقود ونيف.

لقد ناضل الآباء يومها ولم يكن في ليبيا لقمة عيش -  وشكلوا لجانا سياسية ووفود ضغط حملت وعيا عاليا بالعمل الدولي ومقتضياته - وأسمع الليبيون من أقصى البلاد إلى أقصاها الوفود الدولية الزائرة لهم حينئذ لغة وطنية واحدة -  مفادها أننا نريد إستقلالنا في بلد واحد دون تباطؤ - وبالجهد الدؤوب - والوعي الوطني العالي - والأصرار التام على الوحدة -  نال الليبيون إستقلالهم ودولتهم الموحدة.

وحريٌ بنا اليوم ونحن نعيد بناء بلدنا وبشبابنا البطل - الذي يحمل آمالا وطموحات توازي طموحات الآباء الأوائل -  أن يقتفي آثار الآباء ويستوحي الدروس من نضالهم.

لقد تمتع الآباء بقدرة عالية على صياغة مشروع وطني موحَد - لإعتمادهم على آليات وأدوات العمل السياسي -  والتواصل المدني فيما بينهم  فمكَنهم ذلك من القدرة على إدارة الحوارات الوطنية - وبالتالي التنازل - والتفاهم والأتفاق -  من أجل المصلحة الوطنية العليا -  فكانت في النهاية إرادتهم السياسية واحدة قوية وأشد من التحديات والصعوبات المادية والدولية حينها -  فتغلبوا على ذلك كله وحصلت معجزة الوطن - وقامت ليبيا مستقلة موحدة.

لقد أدهش الليبيون يومها الجميع بقدراتهم العالية - رغم إمكانياتهم البسيطة حيث لا نفط ولا مال ولم يكونوا يتسلحون إلا بالأيمان الشديد بقضيتهم -  والتفاؤل المدهش بأن بلدهم سوف يقوم رغم الصعوبات وضعف الأمكانات المادية والبشرية.

وما أشبه اليوم بالبارحة -  فها نحن اليوم نقف على أعتاب إعادة بناء من جديد -  فالوطن قد أنهكه الأستبداد المطلق - ودمر مؤسساته حكم الفرد الواحد الذي دام عقودا طويلة -  ثم زاد الوضع تفاقما بإرتفاع تكلفة إنهاء ذلك الأستبداد وما إقتضاه من تضحيات بشرية ومادية جسيمة -  وما صاحب المعركة هذه المرة من محاولات لأثارة فتن وقطيعة واحتراب - غذاها النظام السابق الهالك -  ولكن وبعد ستين سنة أخرى من التاريخ يدهش الليبيون العالم مرة أخرى -  ويثبتون  أنهم أشد تمسكا بوطنهم ووحدته ومصيرهم المشترك مما كان يتصور الجميع - فأعلن الليبيون جميعهم في تلقائية عجيبة -  وتناغم أثار الأعجاب منذ الوهلة الأولى للثورة -  الولاء للثورة المباركة - ولوحدة الوطن الليبي وطن الآباء والأجداد - ولعلم إستقلاله  وفي خطوة إبداعية أثبت الليبيون من خلالها أنهم يحملون مخزونا عميقا من الحس الوطني السياسي - يستمد ولا ريب غذاءه من نضال الآباء أيام الجهاد والأستقلال - فإذا بالليبيين يتوافقون وبسرعة مذهلة على مجلس وطني إنتقالي - يحافظ على مسيرة الثورة والوطن - ويسهم في صناعة مرحلة حساسة من تاريخ هذا الشعب المناضل - الملهم بجهاده للشعوب الأخرى - وبعد فترة نضال عسكري وسياسي داخلي وخارجي معقد وتضحيات جسام -  منَ الله علينا بالنصر على الطغيان وأهله وانقشع الظلام وعهده وأذَن الفجر وإنبلج الصبح.

وإذ إنتهى الإستبداد ولله الحمد من قبل ومن بعد - فإن نهايته إيذان ببداية مرحلة كفاح جديدة تقتضي مشاركة الجميع -  فما قمنا إلا لإنهاء الأقصاء - واسترداد حق الشعب في المشاركة -  وهاهي الفرصة الآن لنشترك جميعا في شرف بناء وطننا الواحد المشترك  - وما يستتبع هذا من مسئولية تقع على عاتق الجميع بالتصرف طبقا للمصلحة الوطنية ومقتضياتها.

وإذا كان آباؤنا - القدوة في العمل الوطني- مفتقدين للأموال والمؤهلين فإن لنا اليوم من المال قدرا - ومن المتعلمين والأكفاء عددا - وما علينا اليوم إلا حسن الأقتداء بأسلافنا في وطنيتهم وتوحدهم وحرصهم على المصلحة العليا لبلدهم من خلال إستعداهم للتنازل - والوصول للأتفاق من خلال الحوار السياسي الناضج.

لقد أنجز آباؤنا المهمة على أكمل وجه - بتأسيس البلد الناشئ والحصول على الأستقلال - ثم بأستكمال المسيرة السياسية والعبور أولا عبر مرحلة دولة اتحاد الولايات - الى دولة الوحدة والمؤسسات - فكانت إنجازات تحققت بفعل الوعي والنضج السياسي والتصرف بمسئولية عالية.

وليبيا اليوم في أمس الحاجة لتكاتف الجهود - وتوحيد القوى - والأستعداد للتنازل عن المصالح المحلية من أجل مصلحة الوطن العليا  - وللوصول للمصالحة الوطنية واقامة العدالة.

وإننا في يوم تاريخي كهذا علينا أن ندعو الله بأن يتقبل شهداء ليبيا ورجالاتها ونساءها - ووطنييها الذين ضحوا من أجلها على مر التاريخ - منذ أيام الجهاد ضد الطليان وصناعة الأستقلال وبناء الدولة - ثم بعد ذلك مرحلة النضال ضد الأنحراف والظلم في العهد السابق - الذي دام طويلا - ولابد أن نتذكر الثوار والوطنيين الليبيين وكل من عمل وكافح طيلة عقود الظلم - وأثناء الثورة بكل ما يملك من علم ومال وسياسة وكلمة ثم قتال وشهادة في سبيل هذا الوطن الغالي -  فالسياسيون –والعلماء – والمشايخ- والأعلاميون – والمهنيون - ورجال الأعمال – والطلبة-ونساؤنا الحرائر وأعمالهن البطولية المنقطعة النظير- كل هؤلاء ثوار - نحييهم ونفتخر بهم اليوم على قدم المساواة.

وإننا إذ نعبر من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة يجدر بنا كشعب أن ننتبه إلى أن الجميع منا مطالب بالمشاركة في البناء ولو بالنصيحة  - وأخص بالذكر ذوي العلم منا وذوي الحكمة والقوة والسبق -  فيا علماءنا – ويامشايخنا – وياأساتذتنا – وياشبابنا - لقد إنتهى عهد الأستبداد وهاهي ليبيا تناديكم من جديد - فهبوا إلى بنائها فإنها محتاجة لكل مشاركة منكم - وقيادة ونصح وتوجيه - لقد آن أوان العطاء  وولى زمن الأنكفاء.

إن في ذاكرة شعبنا الجمعية نهرجارف من التاريخ الوطني القوي - الملئ بالتضحيات - لعل آخرها كان سلسلة من المواقف المدهشة أثناء ثورتنا المباركة الأخيرة ضد الظلم والأستبداد - وماعلينا اليوم ونحن نتذكرتاريخ إستقلالنا المبارك إلاأن نعيد التأكيد - والعهد للوطن الغالي على التكاتف والحرص على وحدة الوطن وقوته - وتماسكه وإستقلاله -  وأصالة إنتمائه - لنبني ليبيا الحرة  - الموحدة - ليبيا الديمقراطية -  ليبيا الأصيلة.