الثلاثاء, 13 نوفمبر 2018 14:50

نص كلمة السيد الرئيس أمام مؤتمر باليرمو

يسعدني أن أتقدم ببالغ الشكر والتقدير إلى معالي رئيس الوزراء جوزيبي كونتي وإلى حكومة وشعب إيطاليا على استضافتهم لهذا المؤتمر، وعلى حسن الضيافة والتنظيم المتميز لهذه المناسب، كما اتقدم بالشكر والامتنان للدول الشقيقة والصديقة المشاركة في هذا اللقاء، هذه المشاركة التي تعبر عن الاهتمام والمساندة للشعب الليبي في مواجهة الازمة الراهنة ... كل التقدير لكم جميع. السيدات والسادة إن لقاء باليرمو ومن قبله لقاء باريس هما مبادرتان تدخلان في إطار اهتمام الدولتين الصديقتين بمساعدة الليبيين على الخروج من الأزمة، وهو اهتمام يستحق الشكر والامتنان، لكن والحقيقة تقال إن المجتمع الدولي تخلى عن بلادنا منذ عام 2011 لتواجه بمفردها كل التداعيات بدون إمكانات أو مؤسسات أو تجربة ديمقراطية سابقة، وكانت النتيجة فوضى دامية مازلنا نعاني آثارها: انقساما نحاول رأبه، ومشاكل حياتية نحاول حلها في غياب الموارد اللازمة لتغطية كافة الاحتياجات، لذا وجب علينا التذكير بأن الجهد الدولي يجب أن يكون موحداً ليكون فعالاً ، ومهما بلغت أهمية هذا الجهد يلزمه تجاوب محلي. السيدات والسادة لقد سأم شعبنا المؤتمرات واللقاءات التي أصبحت تدور في دائرة مغلقة، ولم يعد يحتمل المزيد من المناورات والمراوغات السياسية، وما يقوم به البعض من سعي محموم لإبقاء الوضع على ما هو عليه، بل هناك من يحاول إعادتنا الى المربع الاول، بينما يئن المواطن من وطأة الازمة. لقد اهتزت ثقة الليبيين بالكيانات الحالية جميعها من مجلس نواب، ومجلس أعلى للدولة، ومجلس رئاسي وغيرها من الأجسام ... فإلى أين نحن ذاهبون بالوطن؟ لقد حان الوقت ليتحقق لبلادنا الاستقرار، وينعم شعبنا بالأمن ويبدأ مسيرة التعمير وكفى ما أريق من دماء، واستنزف من مال، وأهدر من وقت .. وإلى أن يدرك هؤلاء ذلك وتنتهي مرحلة المناورات والمزايدات، اتجهنا في المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني للتركيز على ما يفيد المواطن على أرض الواقع بالعمل والفعل وليس بالجدل السياسي العقيم. ومن هذا المنطلق بدأ بالفعل تحركنا لمعالجة اربعة ملفات رئيسية: الاقتصاد، والأمن، ووضع الجنوب، والإعداد للاستحقاق الدستوري والانتخابي. السيدات والسادة لقد بدأنا مسيرة التعافي من خلال برنامج للإصلاح الاقتصادي يعتمد على تكامل وتناغم السياسات النقدية والمالية والتجارية، وترشيد الإنفاق وتحفيز وتنمية ايرادات الدولة، ودعم المؤسسة الوطنية للنفط .. ويشمل البرنامج حزمة من الإجراءات تستهدف تصحيح تشوهات الاقتصاد الليبي، اتفقنا بشأنها مع مصرف ليبيا المركزي والمؤسسات الاقتصادية والمالية الأخرى، وها هي النتائج الايجابية تتضح للعيان تقليصا للعجز، وتراجعا تدريجيا للتدهور في سعر العملة الوطنية، وانخفاضا في أسعار المواد الاساسية وزيادة ملحوظة في توفر السيولة.... وهذه مرحلة أولى.. تتبعها مراحل متفق بشأنها، مع ضمان حاجات المواطن الاساسية وفي مقدمتها الأمن الغذائي والدوائي. ولكي نصل بالبرنامج إلى الهدف المنشود من استقرار وانتعاش للاقتصاد يتوجب الاسراع في مراجعة عمل المصرفين المركزيين في كل من طرابلس والبيضاء وفقا للاقتراح الذي سبق وأن طرحناه، والعمل الفوري على ايقاف الإجراءات التي من شأنها الإضرار بمسار الاصلاحات الاقتصادية مثل ما نسمعه عن طباعة النقود بدون تنسيق مما له من تأثير سلبي وضرر مباشر على ما نقوم به من اصلاحات. السيدات والسادة لقد حرصنا على أن يواكب الاصلاحَ الاقتصادي اصلاحٌ للمنظومة الأمنية من خلال ترتيبات أمنية لتأمين العاصمة وما حولها وإرساء النظام العام، استناداً على قوات أمن وشرطة نظامية منضبطة تعمل وفق معايير مهنية، وهذه الترتيبات لن تقتصر على العاصمة بل ستمتد لتشمل المدن الليبية أخرى ... ولتحقيق ما نأمله ونستهدفه من نجاح، نطلب دعماً حقيقياً من المجتمع الدولي لهذه الترتيبات الأمنية، بالمعدات والتدريب والتسليح الملائم، والإسهام معنا لإعداد مشروع لجمع السلاح وإحلال ودمج المقاتلين. وأن يكون المجتمع الدولي مستعداً لمعاقبة المعرقلين لمسار الاستقرار سواء كانت العرقلة خروقات أمنية او عرقلة سياسية، إن هذه الترتيبات تمثل في نظرنا فرصة ومدخل لبناء مؤسسات أمنية وعسكرية موحدة. وفي هذا السياق نعبر عن كامل تقديرنا لدور مصر الشقيقة في عملية توحيد المؤسسة العسكرية واستضافتها ورعايتها لاجتماعات القيادات العسكرية، ونود أن نوضح في هذا الإطار بأننا ملتزمون بمسار توحيد المؤسسة العسكرية ولكن يتوجب أيضاً حسم جدلية السلطة المدنية العلية التي تقود هذه المؤسسة الموحدة. إن عملية الاصلاح الشامل التي نتحدث عليها لها متطلباتها وحتى نتمكن من تنفيذها بسلاسة واقتدار والمضي قدماً، فقد اجرينا تعديلات وزارية وقيادية وهناك تعديلات أخرى قادمة تتلاءم مع ما اتخذناه ونتخذه من خطوات. السيدات والسادة موقفنا السياسي كان ولازال وأضحاً… فالوقت قد حان لأن يقول الشعب كلمته، وأن يتم الالتزام بإنهاء الاستحقاق الدستوري لإجراء انتخابات متزامنة لاختيار رئيس للدولة والجسم التشريعي الجديد .... وسؤالنا للأطراف جميعها: لماذا نحرم الشعب من حق التعبير عن إرادته ؟!! .. الانتخابات هي الحل الوحيد للانتقال إلى مرحلة مستقرة دائمة، تحسم الخلاف حول الشرعيات. وفي هذا الإطار نعرب عن ارتياحنا لما ورد في إفادة المبعوث الأممي السيد غسان سلامة من إجراء هذه الاستحقاقات في الربيع المقبل، وندعم عقد المؤتمر الوطني الجامع في الأسابيع الأولى من العام المقبل ونطالب أن يكون داخل ليبيا، وذلك ليناقش الليبيون سبل الحل والخروج من الانسداد السياسي الحالي. ونأمل بعد ما حظي به خيار الانتخابات من زخم دولى ورغبة شعبية عارمة ان تتوقف محاولات اعادتنا إلى الوراء، واصرار البعض على المد في عمر المرحلة الانتقالية، وإبقاء الوضع على ما هو عليه ليبقوا في السلطة، لا نريد أن ننكأ الجراح أو سرد ما بات معروفاً، وما نتج عن عدم الالتزام باستحقاقات الاتفاق السياسي من انقسام في مؤسسات الدولة، انعكس سلباً على معيشة المواطنين. لقد حاولنا مراراً ايجاد أرضية للتوافق بين كل الأطراف ولكن لم نجد شريكا حقيقيا، لذا اصبح رهاننا الوحيد على الشعب ليدعمنا في اتمام الاستحقاق الانتخابي، اننا نتطلع ببصيص أمل أن نخرج من هذا اللقاء بنتائج عملية واضحة تسهم في حل الازمة الليبية وأن يكون هناك التزام كامل بتلك النتائج، ونود أن يأخذ هذا المؤتمر في الاعتبار الواقع على الارض والموقف العام، والإمكانات المطلوبة والممكن توافرها، وعدم إهمال العوامل المؤثرة إقليميا ودوليا .. فالأزمة الليبية أزمة شاملة متشابكة تمس الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية بل والثقافية ايضا ... والأهم من كل ذلك ننادي كل الاطراف المتصارعة والدول المعنية بالشأن الليبي احترام ارادة الشعب في تقرير مصيره. السيدات والسادة لاشك انكم تعلمون ما يتعرض له الجنوب الليبي من غبن وانتهاكات وجرائم قتل وعمليات نهب وتهريب وتخريب ... وبقدر ما يبدو أن حل هذه الازمة معقداً ومستعصياً بقدر ما يصبح الحل ميسراً اذا ما توفرت الارادة .. ومن هذا المنطلق أعلن أمامكم عن إطلاق الحملة الوطنية لإنقاذ الجنوب الليبي، وسأقوم شخصيا بالإشراف على هذه الحملة التي ستشمل ثلاثة محاور …الأمن والخدمات والوضع الاجتماعي، لذا ندعو الجميع للتجاوب مع هذه الحملة، لنحارب معاً الإرهاب والغزو المستتر للجنوب كتفا بكتف ويد بيد، وليكن الجنوب عنواناً لتوحيد المواقف، ومنطلقاً لتوحيد مؤسسات الدولة جميعها . إننا ندرك جيداً أن الوطن لا يبنى الا بمشاركة كل أبنائه، ولقد مددنا اليد للجميع وتغاضينا عن ما وجه لنا من افتراءات، ونقول لهم جميعا تعالوا إلى كلمة سواء ... فأساس النهوض متوفر بما تملكه ليبيا من إمكانات ومقومات تتمثل في مواردها الاقتصادية وموقعها الاستراتيجي وتركيبة شعبها المتجانسة، وما تحظى به بلادنا من تعاطف ودعم من الاشقاء والاصدقاء. السيدات والسادة نتطلع ونعمل على أن تسود في مجتمعنا ثقافة التسامح والاعتراف بالآخر والقبول بالاختلاف في إطار الاحترام المتبادل بعيدا عن المزايدات. وفي هذا الصدد سأعلن خلال أيام عن أسماء أعضاء اللجنة التحضيرية لعقد مؤتمراً للمصالحة الوطنية تكون نواة لمشروع وطني شامل. وفي الختام… أذكر الجميع بان الطموح السياسي عمل مشروع في إطار الثوابت الوطنية وبشرط أن توضع مصلحة الوطن في المقام الأول. وها أنا اتوجه اليكم أيها السادة والإخوة في الوطن ممثلو الوفود: لنطوي صفحة خلافاتنا، ونعمل معا في اتجاه واحد، وهو المسار الديمقراطي لبناء دولة مدنية مستقرة. وفقنا الله جميعا والسلام عليكم ورحمة الله.